هذا الموضوع مهم جدا خاصة مع انتشار رسائل البدع بالبريد والجوال
----------------------------------------------
أولا / رسائل الجوال والبريد التي يقال فيها: انشرها وإلا تأثم أو يحصل لك كذا وكذا
يقول السائل : كثرت في الآونة الأخيرة .. رسائل الجوال أو البريد .. التي يكون فيها مثلا دعاء أو نصيحة ويقال : أمنتك الله أن ترسلها وتنشرها .. أو أن يقول : إذا أرسلتها سوف تسمع خبرا سعيد !! هل عليّ إثم إن لم انشرها ؟؟ وما حكم مثل هذه الرسائل ؟
الجواب : الحمد لله
الاستفادة من الوسائل الحديثة كالجوال والبريد الالكتروني في نقل النصيحة والموعظة والتذكير والتوجيه عمل نافع وأمر مثمر إذ يمكن إيصال ذلك لمئات من الناس بضغطة زر واحد ومعلوم أن الدال على الخير كفاعله وأن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه كما روى مسلم (2674) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ).
وروى مسلم (1893) عن أبي مسعود الأنصاريّ رضي الله عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : ( من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله ).
فإذا كتب المسلم نصيحة حول أذكار الصباح والمساء مثلا وأرسلها إلى مائة من الناس فعمل كثير منهم بنصيحته كان في ذلك أجر عظيم له .
ولهذا ينبغي الاستفادة من هذه الوسائل والارتقاء بالكلمة والنصيحة التي تبث من خلالها ليكون لها أكمل الأثر وأتم النفع .
لكن مما يؤسف له أن بعض الناس خلط هذا العمل الصالح بآخر سيء وهو الوقوع في نوع الدجل والباطل كقوله : إذا أرسلتها سوف تسمع خبرا سعيد !! فهذا ضرب من الكهانة فليس هناك دليل شرعي على أن من تلقى النصيحة وأرسلها لغيره أنه سيسمع خبرا سعيدا بل قد يسمع خبرا سيئا أو سعيدا أو لا يسمع شيئا .
وكذلك من يقول : حمّلتك هذه الأمانة أن ترسلها وتنشرها أو أنك ستأثم إن لم تفعل ذلك أو من لم ينشرها سيحصل له كذا وكذا فهذا كله باطل لا أصل له فالمرسل له لم يتحمل شيئا وليس هناك ما يلزمه بالنشر ولا يأثم إن تركه ولا وجه لتأثيم أحد بغير موجب من الشرع كما أنه لا وجه للإخبار بالغيب المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله .
وترتيب الثواب والعقاب على عمل من الأعمال إنما مردّه إلى الله تعالى فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والثواب والعقاب من عنده ومن قال في ذلك شيئا بغير برهان منه فقد افترى وقد قال سبحانه : ( قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطانا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون ) الأعراف/33 .
وقد ظن هؤلاء أنهم بهذا يحملون الناس على نشر الخير عن طريق ترغيبهم وترهيبهم لكنهم أخطأوا وتجاوزوا وكان عليهم أن يقتصروا على ما ورد به الشرع وفيه الغنية ولله الحمد كقولهم : إن من نشر هذا الخير يرجى له مثل أجر جميع من عمل به وكفى بذلك محفّزا ومشجعا على النشر .
وهذا مما يبين أهمية العلم فإن غالب من يقع في هذا إنما يقع فيه لجهله كحال من كان يضع الأحاديث ويفتريها على النبي صلى الله عليه وسلم بحجة نشر الخير وترغيب الناس فيه فيقع في الكذب المتوعّد صاحبه بالوعيد الشديد لتحصيل الأجر والثواب فيما يظن !
والمقصود : التنبيه على بطلان هذا المسلك والتحذير منه ولهذا نقول :
ينبغي لمن وصله شيء من ذلك الباطل أن ينصح لصاحبه وأن يبين له وجوب الانتهاء عن مثل هذه المحفّزات الباطلة وألا يصدّق بما جاء في الرسالة من أنه إن نشر سيحصل له كذا وإن لم ينشر سيحصل له كذا لأنه نوع من الكذب كما سبق .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
----------------------------------------------
ثانيا / رسائل الجوال التي تختم بعبارة "انشر تؤجر"
يقول السائل : وصلتني رسالة في الجوال فيها دعوة لسماع برنامج في إذاعة القرآن وكتبت صاحبة الرسالة في نهايتها : " انشر تؤجر " وأنا بدوري أرسلت هذه الرسالة لزميلاتي عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من دعا إلى هدى .... الحديث ) فأنا أرجو الأجر والمثوبة لي ولغيري بسماع هذا البرنامج ولكن إحدى الأخوات أنكرت عليّ كتابة هذه العبارة " انشر تؤجر " وأن فيها جزما بالأجر فهل في هذه العبارة محذور شرعي أم لا ؟ .
الجواب : الحمد لله
وعد الله تعالى كل من أطاعه بالثواب والأجر الجزيل في الدنيا والآخرة والله تعالى لا يخلف الميعاد .
قال تعالى : ( ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد ) آل عمران/ 194 وقال : ( لكن الّذين اتّقوا ربّهم لهم غرف من فوقها غرف مبنيّة تجري من تحتها الأنهار وعد اللّه لا يخلف اللّه الميعاد ) الزمر/ 20 .
وقال تعالى : ( ألا إنّ أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الّذين آمنوا وكانوا يتّقون . لهم البشرى في الحياة الدّنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات اللّه ذلك هو الفوز العظيم ) يونس/ 62 – 64 .
فكل من أطاع الله تعالى وكان مخلصا في عبادته متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم فيها فهو مأجور من الله تعالى على تلك الطاعة .
ولا يمكننا الجزم لشخص معين بأن الله تعالى قد أثابه على تلك الطاعة لأننا لا نطلع على ما في القلوب ولا ندري هل كان مخلصا لله تعالى فيها أم فعلها لغير الله .
فهناك فرق بين الكلام العام المطلق والكلام الخاص في حق شخص معين فالكلام العام بأن (من أطاع الله أثابه) صحيح لا غبار عليه .
وأما إثبات الأجر في حق شخص معين فهو مما لا يمكن لنا الجزم به .
ولكن ...هذه العبارة (انشر تؤجر) لا يظهر لنا أن فيها الجزم لشخص معين بحصول الأجر وإنما فيها الترغيب في هذا العمل بأنك إذا فعلته كنت مأجورا أي : إذا فعلته وكنت مخلصا فيه لله تعالى متبعا فيه للرسول صلى الله عليه وسلم فهو كقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ) رواه مسلم ( 2674 ) .
يعني : من دل غيره على الخير مخلصا لله تعالى وحقق شروط العمل الصالح .
على أنه يمكن أن يقال : إن هذه العبارة "انشر تؤجر" المقصود منها الدعاء للشخص وليس المقصود منها الجزم بحصول الأجر فهي كما لو قلت : نسأل الله تعالى أن يأجرك إذا نشرت هذا الخبر .
والحاصل : أنه لا حرج من تذييل الرسائل التي تدعو إلى الخير بهذه العبارة : "انشر تؤجر" ففيها ترغيب للمؤمن في فعل الخير وتنشيط له وتذكير له بالإخلاص لله تعالى حتى ينال الأجر من الله .
والذي ينبغي أن يعلم أنه ليس كل رسالة قيل في آخرها : "انشر تؤجر" يكون مضمونها خيرا.
فقد وجد من يذكر حديثا ضعيفا أو موضوعا ثم يطلب نشره ويختم بعبارة " انشر تؤجر " ! ووجد من يحث على بدعة ويختم رسالته بتلك العبارة ووجد من يحذّر من مسلم أو يطعن في عرض ويختم بتلك العبارة ووجد من يدعو للتصويت لصالح النبي صلى الله عليه وسلم وختم بتلك العبارة وتبين أنها عملية احتيال لصالح شركة في بلاد الكفر ! ووجد من يدعو للتبرع في حساب شخصية معروفة في عمل الخير ويختم بتلك العبارة وتبيّن أن الحساب لا يرجع لتلك الشخصية وأمثال هذه الرسائل كثير فيجب التأكد من مضمون تلك الرسائل قبل نشرها وتذييلها بتلك العبارة .
وقد أجرت " مجلة الدعوة السعودية " تحقيقا علميّا حول رسائل " انشر تؤجر " ومما جاء في ذلك التحقيق :
" من جانبه يؤكد الشيخ " وليد بن عبد الرحمن المهوس " من منسوبي " هيئة التحقيق والادعاء العام " أن ما يقع فيه بعض مستخدمي رسائل الهاتف الجوال هو تساهلهم في إرسال الرسائل التي تحمل عبارات وعظية أو شرعية أو انتقاد لشخص أو جهة ما دون تثبت من صحتها وهذا تفريط كبير يلحق صاحبه ويسبب البلبلة في المجتمع دون وجه حق خاصة وأنه يختم رسالته بعبارة " انشر تؤجر " .
ويشدد الشيخ المهوس على ضرورة الالتزام بالضوابط في إرسال الرسائل ويذكر من أبرزها :
1. لا بد من التأكد من صحة ما ينشر بعضها يكون حديثا أو أثرا ضعيفا أو موضوعا وإذا نشر هذا الحديث الضعيف أو الموضوع : فقد يخشى أن يدخل في حديث : ( من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) أخرجه البخاري ومسلم .
2. أنه قد ينشر بدعة وهو لا يدري والبدع تهدم الدين وهذا خطير جدّا .
3. أنه قد يعمل بهذا الحديث أو الأثر ويترك ما يعارضه وهو صحيح فيكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فيترك الصحيح للعمل بالضعيف .
4. أن هذا المرسل كالإمعة والببغاء يردد ما يأتيه بدون وعي ولا عقل فهذا يقدح في عقل المسلم العاقل المدرك فإنه لا يقول شيئا إلا بعد تمحيص وروّية .
5. أن المطلوب من المسلم نشر الخير بعد ما يعلم به وأما الذي يرسل بلا علم : فقد يرسل الشرّ .
6. أن هذا المرسل قد يظن أنه يزيد حسناته بذلك وهو بالعكس فقد يزيد من سيئاته لأنه نشر شيئا بلا علم ومعرفة .
7. أن بعض الأعمال والأفكار قد تكون صحيحة ولكن قد لا يناسب المرسل إليه أو يفهمه فهما خاطئا وهذا من المحاذير " انتهى باختصار .
" مجلة الدعوة " العدد ( 2043 ) 20 ربيع الأول 1427ه .
والله أعلم
----------------------------------------------